لا يوجد بلد في العالم تتداخل فيه الاعتبارات السياسية الضيّقة مع احترام المواعيد القانونية والدستورية كما يحصل في لبنان، فأمام كلّ استحقاق انتخابي يضع اللبنانيّون أياديهم على قلوبهم، ويصلّون ليل نهار لكي يحترم القابض على السلطة المواعيد الدستورية والقانونية والتي تُعتبر جزءاً أساسياً وجوهرياً لا يمكن تجاوزه في تمييز الأنظمة الديموقراطية عن غيرها من أنظمة الحكم.

فاحترام مواعيد الاستحقاقات يَحمي البلاد من تأبيد السيطرة على السلطة فيها، كما يؤمّن عدالةً وتكافؤاً للفرص بين المرشّحين سواءٌ أكانوا موالاةً أو معارضة، كما يعود الى المواطنين في أوقات يعلمونها مسبَقاً لتكوين سلطة هم أساسها... مناسبة هذا الكلام هي التأخّر في الدعوة الى إجراء الانتخابات الفرعية لملء ثلاثة مقاعد شاغرة في طرابلس وكسروان.

مع ما يتردّد تارةً في الكواليس والصالونات السياسية وطوراً صراحةً عن عدم رغبة القوى السياسية المعنيّة بها في إجرائها متذرّعين بحجج واهية وكلها تضرب الدستور وهيبته وحسن تطبيقه...

وفي هذا المجال، فقد نصّت المادة 41 من الدستور أنه في حال خلا مقعد في المجلس على وجوب الشروع في انتخاب الخلف خلال شهرين من تاريخ الخلوّ، وذلك في حال بقيَ من عمر المجلس أكثر من ستة أشهر كما هو واقع الحال اليوم.

والجدير ذكره أنّ هذه المادة قد صُدِّق عليها بالإجماع ومن دون مناقشة أو اعتراض عند إقرارها في الجلسة التي انعقدت بتاريخ 20 أيار 1926 تمهيداً لإقرار الدستور اللبناني بصيغته الأولى بتاريخ 23 أيار من العام نفسه. ولم تخضع الى تبديل جوهري إلّا عند الاستغناء عن مجلس الشيوخ فاستبدلت العبارات بأخرى تتناسب مع الوضع الجديد.

إنّ مخالفة هذه المادة الدستورية ومواد قانون الانتخاب وعدم تعيين موعد للانتخابات تتحمّل مسؤوليته السلطة التنفيذية مجتمعةً عموماً ووزير الداخلية خصوصاً، وهو مسمار جديد في نعش الدستور من المفترض أن يتصدّى له نواب «الأمة» عبر توجيه أسئلة إلى الحكومة والوزير المختص... كما الناس المعنيّين بإجراء الانتخابات وبشتى الوسائل الديموقراطية...

لقد منع الدستور اللبناني التحكّم بالسلطة بشكل مطلق، كما فرض على السلطات قواعد من واجبها احترامها لا تعطيلها والدوس عليها... أو الاختباء خلف صلاحيات غير موجودة منعاً من فضح صعوبات شعبية يُعاني منها رئيس حكومة، أو تنافس داخلي لا يُطيّقه أحد المشاركين في طبخ المخالفات، أو عدم استعداد القوى الموجودة لمعرفة قوتها الانتخابية من قبل أخصامها ونحن على ابواب انتخابات عامة.

هذه السلطة التنفيذية التي تنادي بمحاربة الفساد ليل نهار وبأنها حكومة «استعادة الثقة» و»تتمرجل» في العلن والخفاء على السلطة القضائية وتتّهم الأخيرة بأنها لا تطبق القوانين المرعيّة الإجراء في حال عدم سجنها لصاحب شك من دون مؤونة قيمته مئة دولار اميركي... تقع في محظورٍ أخطر وأكبر في حال عدم إجرائها الانتخابات الفرعية كونها ترتكب مخالفة دستورية فاضحة تستوجب المعاقبة عليها ونقطة على السطر.